الثقوب السوداء.. اللغز الفلكي!

الثقوب السوداء.. اللغز الفلكي!

نقطة البداية مألوفة بما يكفي. “الثقب الأسود جزء من الزمكان ولكنه ملتوٍ بصورة هائلة، وعندما تكون الجاذبية شديدة بشكل هائل، فلا يمكن لأي شيء الهرب، حتى الضوء”، حسبما يقول الفيزيائي بيدرو فيرييرا من جامعة أوكسفورد.

وعند هذه النقطة أيضاً تبدأ المشكلة. تعتبر الثقوب السوداء إحدى التوقعات الصلبة للنسبية العامة -نظرية أينشتاين الفريدة عن الجاذبية- وعلى الرغم من ذلك تتمدد النظرية حتى تصل لنقطة الانكسار. فقد أخفقت معادلاتها بشكل كارثي حين تعلق الأمر بمركز الثقب الأسود، المعروف بالمتفردة، حيث يخرج تشوه الزمكان ببساطة عن إمكانية القياس. يقول فيرييرا: “كل حساباتك تؤول إلى اللانهاية، هذا لا معنى له”.

حتى أينشتاين نفسه ظن أن الثقوب السوداء فكرة غير منطقية إلى الحد الذي يجعلها غير حقيقية. إنها لا تطلق ضوءًا، ومن ثم فإننا لا نستطيع رؤيتها. ومع ذلك، فإننا نستدل على وجودها بسبب تأثيرها على المادة القريبة منها حين تمتص الغاز والتراب والنجوم، بالإضافة للتشوهات التي تنتج عروضاً ضوئية مذهلة. في عام 2015، عندما اكتشفنا موجات الجاذبية للمرة الأولى، توافقت التموجات التي لاحظناها في الزمكان مع الإشارة المتوقعة من ثقبين أسودين التويا نحو بعضهما البعض واندمجا سوياً.

في الحقيقة، وجود الثقوب السوداء شائع إلى حدٍ ما. تشكلت الثقوب السوداء في الفضاء عندما انهارت وخمدت نجوم شديدة الضخامة: تحتوي مجرتنا وحدها على حوالي 100 مليون من هذه الثقوب السوداء الأصغر حجماً. كما تحتوي معظم المجرات أيضاً على ثقب أسود شديد الضخامة في مركزها. يحتفظ الثقب الأسود الواقع في مركز مجرة درب التبانة بأكثر من 4 مليون كتلة شمسية في منطقة تماثل في حجمها المنطقة الواقعة بداخل مدار عطارد.

ومن ثم، كيف يمكنك التفكير في شيء شديد التطرف إلى درجة أن الرياضيات النظرية لا تستطيع وصفه؟ يتم ذلك بقدر من الصعوبة. يقول ستيف غيدنغس الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: “لدى صورة عقلية لشكل ثقب أسود كلاسيكي في إطار تشويه الزمكان، واتخيله يشبه منصة القفز “الترامبولين” التي تحمل وزنًا كبيرًا جدًا عليها. المشكلة أن هذه الصورة الكلاسيكية تخفق تماماً عند مستوى أساسي”.

للوصول إلى صلب ما يحدث عند نقطة اللاعودة للثقب الأسود، وهي أفق الحدث، عليك أن تجلب نظرية الكم إلى الصورة، ولكن من المعروف أن نظرية الكم والنسبية العامة لا يتفقان. يقول غيدينغس: “عندما نفكر فيما يحدث للمعلومات التي تسقط في الثقب الأسود، فإننا ننتقل إلى لغز محير يوحي بأن هناك خطأ كبير في وصفنا الكلاسيكي للزمكان”. قد تكون الثقوب السوداء كرات مزغبة لوتر الزمكان المادي.

تقول النسبية العامة أنه عندما تسقط مادة ما في ثقب أسود، يتم تدمير المعلومات، تقول ميكانيكا الكم أن هذا مستحيل. إننا نحتاج لنظرية موحدة توفّق النظريتين بطريقة ما، يحتمل حدوث هذا عن طريق إعادة تخيل الزمكان على أنه شيء تقريبي فحسب، كما يقول غيدينغس. تقدم نظرية الأوتار إحدى الطرق لذلك، وربما تحول نظرتنا للثقوب السوداء إلى “كرات مزغبة” ليس لها متفردة ولا أفق حدث ــ أشياء كثيفة شبيهة بالنجوم تبدو بشكل أساسي مثل كرة متشابكة في وتر الزمكان.

وربما لا. تقول برييا ناتاراجان عالمة الفلك بجامعة ييل إن هذا بالتحديد سبب كون الثقوب السوداء مثيرة. وتضيف: “لقد وصفتها بالفعل على أنها مغرية. إنها تقع على الخط الفاصل بين ما هو قابل للمعرفة وما هو ليس كذلك”.

اترك رد